حقق الباحثون تقدمًا كبيرًا في مجال تشخيص سرطان الثدي ومعالجته، معتمدين على تقنيات جديدة تعتمد على "المتتبعات" التي تساعد في كشف الأورام والنقائل بشكل أفضل. تُعد هذه التقنيات التي تُجرى في وحدات طبية متقدمة في فرنسا جزءًا من ثورة طبية تهدف إلى تحسين العلاجات والنتائج للمرضى.
كيف تعمل المتتبعات الإشعاعية؟
يقوم مبدأ المتتبعات الإشعاعية على حقن جزيئات نشطة إشعاعيًا، تُعرف بالكواشف الإشعاعية، في الوريد. هذه الجزيئات تنتشر في أنحاء الجسم عبر الدم، وتلتصق بالخلايا السرطانية أو مستقبلات محددة. وفقًا للدكتور رومان دافيد سيبان، الأخصائي في الطب النووي بمعهد كوري، تساعد هذه الجزيئات في إنتاج صور دقيقة للجسم باستخدام جزء منها يصدر إشعاعات.
دور الطب النووي في تشخيص سرطان الثدي
مع وجود أكثر من 61 ألف حالة جديدة من سرطان الثدي كل عام في فرنسا، يُعد هذا المرض الأكثر شيوعًا بين النساء والأكثر فتكًا، حيث يتسبب بوفاة حوالي 12 ألف امرأة سنويًا. نظرًا لتعقيد هذا المرض واختلاف أنواعه، مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي الذي يصيب حوالي 9 آلاف امرأة سنويًا، بات من الضروري تحسين أدوات التشخيص لتوفير أقصى قدر من المعلومات.
الطب النووي يلعب دورًا هامًا في هذا المجال، حيث يمكن للمتتبعات الإشعاعية أن تكشف النقائل المحتملة وتساعد في تقييم الاستجابة للعلاج دون الحاجة إلى أخذ خزعات مؤلمة.
التطبيقات المتقدمة للمتتبعات الإشعاعية
استخدام التصوير النووي لا يقتصر على الكشف عن الأورام فقط، بل يمتد إلى توقع فعالية العلاجات أيضًا. مثلًا، في حالة مريضة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي، تمكّن الأطباء من التأكد من عدم وجود نقائل، ما أهلها لتلقي علاج متكامل يشمل الجراحة، العلاج الكيميائي، والإشعاعي، بالإضافة إلى العلاج المناعي.
تقنيات مستقبلية لتحسين التشخيص
التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال تساعد في تسريع الحصول على الصور بعد حقن المتتبعات، مما يقلل من وقت الانتظار ويخفف من إرهاق المرضى. يُستخدم في الوقت الحالي جهاز PET الذي يعتمد على تتبع الخلايا الأكثر استهلاكًا للسكر، مثل الخلايا السرطانية. ومع ذلك، قد تظهر أحيانًا نتائج خادعة أو تكون النقائل غير مرئية، ما يدفع الباحثين إلى تطوير تقنيات مستقبلية لتحسين التشخيص.
أدوات التتبع الجديدة
معهد كوري، الرائد في مجال علاج سرطان الثدي في أوروبا، يعتمد على أدوات تتبع جديدة تستهدف خلايا معينة في البيئة الدقيقة للأورام، مثل الخلايا الليفية. هذه الأدوات تُجرى عليها تجارب سريرية حاليًا، بهدف تحسين التشخيص والكشف المبكر عن النقائل والاستجابة للعلاجات.
من بين الأدوات الجديدة، تبرز تقنية FAPI التي تعتمد على جيل جديد من المتتبعات الإشعاعية لتحديد النقائل بشكل أدق. كما تتيح هذه التقنية تقييم فعالية العلاج والكشف عن أي انتكاسات مبكرًا.
استهداف المستقبلات الهرمونية
يعمل الباحثون أيضًا على تطوير أدوات تتبع تستهدف مستقبلات الهرمونات، مثل إستراديول، لتحديد ما إذا كانت هذه المستقبلات موجودة في أنسجة الثدي لدى المرضى. هذا يسمح بتحديد مدى فعالية العلاج الهرموني لبعض المرضى.
الثورة في علاج سرطان الثدي
تقول آن فنسان سالومون، مديرة معهد سرطان النساء الذي يشارك مع معهد كوري في قيادة الأبحاث، إن الجمع بين التصوير الطبي والطب النووي يمثل ثورة في علاج سرطان الثدي. يتيح هذا التقدم إمكانية تحديد المرضى الذين سيستجيبون بشكل ممتاز للعلاج أو الذين يمكن تقليل الجرعات العلاجية لهم، ما يوفر خيارات علاجية أكثر فعالية وأقل ضررًا.
التوسع في استخدام التقنيات الجديدة
هذه التقنيات المتقدمة قد لا تقتصر فقط على سرطان الثدي، بل يمكن استخدامها في المستقبل ضد أنواع أخرى من السرطانات مثل سرطان الغدة الدرقية، أورام الغدد الصم العصبية، وسرطان البروستات. هذا يفتح الباب أمام توسيع نطاق تطبيقات الطب النووي ليشمل مجموعة أوسع من الأمراض السرطانية.
الخلاصة
التقدم في مجال الطب النووي واستخدام المتتبعات الإشعاعية يمثل ثورة في تشخيص ومعالجة سرطان الثدي. تساهم هذه التقنيات في تحسين دقة التشخيص، وتقييم فعالية العلاجات، والكشف المبكر عن النقائل، مما يوفر أملًا جديدًا للمرضى ويعزز من فرص الشفاء.
تعليقات
إرسال تعليق